في عالم الموسيقى العربية، اعتدنا أن نشهد إصدارات منفردة أو تعاونات ثنائية، لكن ما لم يكن متوقعاً هو أن يتحد ثلاثة فنانين من مدارس ولهجات مختلفة في عمل واحد، ليخلقوا أغنية تقلب الموازين وتحوّل المنصات الرقمية إلى ساحة نقاش صاخبة.
هذا ما حدث مع أغنية “علاش”، التي أطلقت على شكل فيديو كليب، لتحقق في أقل من 24 ساعة أكثر من 3 ملايين مشاهدة، وتصبح حديث الساعة في الوطن العربي.
ثلاث شخصيات.. ثلاث قصص.. صوت واحد
العمل جمع بين بيسان إسماعيل، الفنانة السورية التي أصبحت أيقونة لجيل الشباب بإحساسها وصوتها المتفجر بالعاطفة، وفؤاد جنيد، النجم اليمني الذي يمزج التراث بروح الحداثة، وأمجد جمعة، الذي كتب كلمات “علاش” بنفسه، مقدماً نصاً شاعرياً حاداً ومليئاً بالتساؤلات العاطفية.
رغم اختلاف خلفياتهم، بدا الثلاثي وكأنهم فرقة موسيقية تمرست معاً لسنوات. هذا الانسجام أثار تساؤلات: هل هو مجرد صدفة سعيدة، أم أن وراء الكواليس اتفاقات وتدريبات مطولة لإتقان هذا التمازج الصوتي؟
كلمة واحدة.. لكنها كسرت حاجز اللهجات
عنوان الأغنية، “علاش”، باللهجة المغربية، يعني “لماذا”. كلمة قصيرة لكنها مفتوحة على عشرات التأويلات، من الحزن على الفقدان إلى الغضب من الخيانة، وحتى الحيرة أمام الحب المستحيل. غموض العنوان جعل الأغنية أكثر إثارة للنقاش، وسهّل انتشارها بين المشرق والمغرب، وكأنها كلمة “موحّدة” لكل المستمعين.
ثلاثي فني يربك الساحة العربية

الكليب.. بين السينما والموسيقى
المخرج عبّاد الوهّاب الخطيب قدّم رؤية بصرية لا تقل إبداعاً عن الموسيقى نفسها. الإضاءة لعبت دور البطولة: ألوان دافئة مع بيسان لتعكس الحنين، مشاهد أكثر قتامة مع أمجد لإظهار الألم، ولقطات مضيئة بإيقاعات مرحة مع فؤاد لخلق التوازن. الانتقالات السلسة بين الثلاثي حافظت على وحدة الإيقاع البصري، وجعلت الكليب قابلاً للمشاهدة مراراً.
تحليل موسيقي: لماذا نجحت “علاش” بهذا الشكل؟
-
اللحن: فؤاد جنيد وضع لحناً يجمع بين البساطة والتعقيد. الجملة الموسيقية الرئيسية قصيرة وسهلة الحفظ، لكنها محاطة بتوزيع غني بالإيقاعات والآلات الشرقية والغربية معاً. هذا المزيج أعطى للأغنية هوية معاصرة لكن بروح عربية أصيلة.
-
الإيقاع: الأغنية تسير على نمط “Mid-Tempo Pop” مع لمسات من الـ RnB والإيقاعات المغاربية، مما جعلها مناسبة للغناء وللاستخدام في الرقص على تيك توك.
-
الأداء الصوتي:
-
بيسان أضافت طبقة حادة وقوية للأغنية، مما منحها لحظات انفجار عاطفي.
-
فؤاد جاء بصوت دافئ وغني بالزخارف الشرقية، حافظ على “الأرضية” الموسيقية للأغنية.
-
أمجد أضفى إحساساً درامياً بكلماته وأدائه المتزن، ليكون “الجسر” العاطفي بين الطرفين.
-
-
التوزيع: التوزيع الموسيقي حافظ على ديناميكية تصاعدية، تبدأ بهدوء نسبي، ثم تتدرج نحو القمم الصوتية قبل أن تعود إلى الخفوت في النهاية، مما يعطي المستمع إحساس برحلة موسيقية مكتملة.
الجدل الذي غذّى النجاح
انقسم الجمهور بين من وصف الأغنية بـ “التحفة الفنية” التي تثبت أن الفن العربي قادر على الابتكار، وبين من اعتبرها “تجربة فوضوية” لا تتناسب مع ذوق المستمع التقليدي. لكن في النهاية، هذا الانقسام كان وقوداً إضافياً لانتشارها، حيث أراد الجميع الاستماع للحكم بأنفسهم.
الكواليس.. أسرار لم تُروَ

التقارير تشير إلى أن “علاش” لم تكن في البداية عملاً ثلاثياً، بل كانت مشروع ديو بين فؤاد وأمجد. دخول بيسان على الخط جاء بقرار جريء من المنتج، مما أجبر الفريق على إعادة كتابة وتوزيع أجزاء من العمل. بعض المصادر أكدت وجود نقاشات حامية حول ترتيب المقاطع، حيث أراد كل فنان أن يكون له اللحظة الأكثر تأثيراً.
خطة الانتشار.. عبقرية أو حظ؟
إطلاق الأغنية في توقيت متأخر مكّنها من الانتشار في موجتين زمنيتين:
الأولى في المغرب العربي، والثانية في المشرق. إضافة إلى ذلك، تسويق الأغنية عبر مقاطع قصيرة على تيك توك قبل إصدارها خلق حالة ترقّب، ليأتي يوم الإطلاق وكأنه “حدث موسيقي” ينتظره الجمهور.
هل نحن أمام ولادة “مدرسة جديدة” في الغناء العربي؟
نجاح “علاش” قد يكون نقطة تحول. الجمع بين ثلاثة فنانين من ثلاث دول مختلفة في عمل واحد ناجح بهذا الشكل قد يفتح الباب أمام موجة تعاونات جماعية في السنوات المقبلة، وربما نرى قريباً “فرقاً موسيقية عربية” تجتمع لفترة قصيرة وتقدّم أعمالاً ضخمة قبل أن يتفرّق أعضاؤها.
✍️ تم تحرير هذا المقال وصياغته بإبداع من فريق جورنال العرب 2025، حيث تم تزويده بأحدث المعلومات وأعمق التحليلات.



