خرجت النجمة التونسية هند صبري لتعلن موقفًا صريحًا، جريئًا، بل ومثيرًا للجدل: “لا أريد أن أكون تراند… ومن يقف بوجه هذه المرحلة يخسر”. هذا التصريح، الذي جاء خلال ظهورها الأخير في بودكاست “عندي سؤال” مع الإعلامي محمد قيس، لم يكن مجرد رأي عابر، بل تلخيص دقيق لفلسفة فنية اختارتها هند صبري منذ بدايتها: الجودة على حساب الانتشار، العمق بدلًا من السطحية، والفن الهادف مقابل الشهرة المؤقتة.
حيث عالم تتغير فيه المعايير الفنية بتسارع جنوني، وتحتل فيه منصات التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في صياغة صورة الفنان ومكانته الجماهيرية،
هند صبري بين الفن والترند: موقف حاسم
منذ انطلاقتها الفنية، تميزت هند صبري بحضورها الهادئ، وموهبتها المتوهجة، وخياراتها التي كانت دومًا تميل إلى المشاريع ذات القيمة الفنية والاجتماعية. ورغم أن الزمن تغير، والمنصات الرقمية باتت تفرض إيقاعًا سريعًا ومتطلبًا، ظلت هند ثابتة في موقفها، ترفض أن تُختصر في مشهد تريندي، أو تصريح مفتعل يلهب صفحات التواصل. في مقابلتها الأخيرة، أكدت هند أنها لا تسعى لأن تكون “ترندًا”، موضحة أن من يسعى خلف الترند غالبًا ما يفقد هويته الفنية، بل وقد يُستنزف نفسيًا ومهنيًا.
لقد بات من الواضح أن كثيرًا من الفنانين اليوم يقعون في فخ الرغبة في الظهور الدائم، ولو كان ذلك على حساب المضمون. هند، في موقفها هذا، تضع خطًا فاصلًا بين الفنان الذي يصنع تاريخه بتأنٍ، وبين من يلهث خلف الإعجابات والتفاعلات.
تيك توك و”الثقافة السريعة”: تحدٍ جديد للفن الأصيل
لا يمكن الحديث عن الترند دون التطرق إلى تطبيقات مثل تيك توك، التي أصبحت منصات لتكريس مفاهيم جديدة للنجومية. في هذا السياق، تساءلت هند صبري بشكل ضمني: هل الشهرة التي تدوم لبضعة أيام، بسبب رقصة أو جملة مقتطعة، تُعتبر نجاحًا حقيقيًا؟ أم أن النجاح الأصيل هو ذاك الذي يُبنى عبر سنوات من الجهد والعمل والاختيار الصعب؟
ترى هند أن “الثقافة السريعة” التي تغذيها هذه المنصات تهدد مكانة الفن الحقيقي. فالفنان الذي يخضع لإيقاع الترند يُجبر على تغيير جلده باستمرار، ويخسر ثباته الفني. الفن، كما تؤمن هند، هو تعبير متجذر عن الهوية، عن المجتمع، عن الهموم الإنسانية، وليس مجرد وسيلة لجذب الانتباه العابر.
عندما يكون النجاح خيارًا أخلاقيًا
هند صبري لم تُصنع من وهم الشهرة السريعة ولا من بهرجة الظهور المؤقت، بل جاءت من خلفية راسخة فكريًا وثقافيًا، أهلتها لتكون واحدة من أبرز النماذج النسائية في المشهد الفني العربي. فبعيدًا عن كونها ممثلة موهوبة، فإن هند تحمل شهادة أكاديمية في القانون من جامعة تونس، وهي خلفية تُضفي على مواقفها بعدًا عقلانيًا وفكريًا يجعل خياراتها الفنية مدروسة بعناية لا تخضع لمجرد الإغراءات الجماهيرية أو حسابات السوق. هذا العمق التعليمي والبيئة الثقافية المنفتحة التي نشأت فيها ساهمتا في صياغة وعيها الفني، فكانت دائمًا تُعرف بخياراتها التي تمزج بين القيمة الفنية والرسالة المجتمعية.
كذلك لم ترضخ لقالب معين من الأدوار، بل تنقلت بين الكوميديا والدراما الاجتماعية والتاريخية والسياسية بأداء متمكن يحترم عقل الجمهور، دون أن تلجأ إلى الأساليب المثيرة للجدل أو الإثارة المجانية لجذب الانتباه.
كانت تدرك منذ بداياتها أن الفن مسؤولية، وأن الاستعراض خارج إطار العمل لا يُصنع منه تاريخ، ولهذا اختارت طريقًا صعبًا قوامه الاتقان والانتقاء لا التكثير والتكرار. في لقائها مع بودكاست “عندي سؤال”، أشارت إلى محطة مفصلية في مسيرتها، حين كانت الفنانة الأعلى أجرًا في مصر، وهو مركز مرموق لم تأتِ إليه عبر ضوضاء “الترندات” ولا تسويق مدفوع الثمن، بل من خلال إرث فني صلب بُني على مدار سنوات من العمل الجاد، والمشاركات الهادفة التي تجاوزت مجرد الأداء إلى المساهمة في تغيير نظرة الجمهور لأدوار المرأة في الدراما.
ورغم أن هذا اللقب – الأعلى أجرًا – قد يبدو مغريًا للكثير من الفنانين، إلا أن هند صبري لم تعتبره وسيلة للتفاخر، بل تعاملت معه كمرحلة مؤقتة تدعوها إلى مضاعفة الجهد لا الاكتفاء بالإنجاز. لم يكن المال معيارها الوحيد في تقييم القيمة الفنية، بل ظلت تبحث عن الشخصيات التي تحمل داخلها جوهرًا إنسانيًا، حقيقيًا، يُعبّر عن هموم الناس، ويطرح أسئلتهم، ويمنحهم نافذة لرؤية أنفسهم على الشاشة. هذه الفلسفة هي ما يميز هند عن الكثير من الأسماء التي صعدت بسرعة تحت مظلة “الترند”، لكنها لم تستطع الثبات. فبالنسبة لهند صبري، البقاء في الذاكرة لا يتحقق بالصخب، بل بالإتقان، بالتنوع، وبالقدرة على التأثير الهادئ الذي يترك أثرًا عميقًا ولو دون ضجيج.
لماذا ترفض هند صبري أن تكون ترند على السوشيال ميديا
الفن كرسالة لا كمنصة شهرة
في حديثها، ألمحت هند صبري إلى الفرق بين الفنان والمشهور. المشهور هو من يعرفه الجميع، ربما بسبب ترند، أو حادثة، أو حتى علاقة شخصية، بينما الفنان الحقيقي هو من يبقى في الذاكرة والوجدان، لأنه يقدّم شيئًا له معنى.
هذا التصور يضع هند في مواجهة مع تيارات ضخمة تروج لثقافة “الترند أولًا”. ولكنها تقبل هذا التحدي بشجاعة، معتبرة أن الوقوف في وجه التيار، ولو كان مكلفًا، هو خيار يستحق الدفاع عنه.
بين الجمهور والنقد: من يفهم الفنان؟
من المفارقات التي أثارتها مقابلة هند صبري أيضًا، هي العلاقة المركبة بين الفنان والجمهور في عصر السرعة. فالجمهور اليوم لا يكتفي بالمشاهدة، بل يشارك، يقيّم، وينتقد. وهنا يصبح الفنان رهينة لردود الفعل، وربما ضحية لموجات غضب افتراضية.
لكن هند تعرف جمهورها. تؤمن أن هناك من لا يزال يقدّر الفن الجاد، ومن يبحث عن المعنى وراء الصورة. تراهن على هؤلاء، وتخاطبهم في أعمالها، وترى أن الرضا الداخلي أهم من تصفيق اللحظة.
الفرق بين النجاح الحقيقي والترند من وجهة نظر هند صبري
من يقف ضد الترند… هل يخسر فعلاً؟
تصريح هند بأن “من يقف في وجه هذه المرحلة قد يخسر” قد يبدو متشائمًا، لكنه واقعي. فالفنان الذي يرفض الانخراط في دوامة الترندات قد يخسر التغطية الإعلامية، أرقام المتابعة، وربما عقودًا إنتاجية مربحة. لكن بالمقابل، يكسب احترام الذات، وولاء جمهور حقيقي، واستمرارية لا تضمنها خوارزميات أي منصة.
هذا التصريح يعكس إدراكًا عميقًا للتحدي القائم. فهند لا تنكر أن التغيير حتمي، لكنها ترفض أن يُفرض عليها شكل النجاح. هي تعيد تعريف النجاح وفق معاييرها، وليس وفق ما تمليه الترندات.
الفنان كإنسان: ما وراء الكواليس
واحدة من نقاط القوة في مقابلة هند صبري كانت شفافيتها. تحدثت عن معاناتها الشخصية، عن الضغوط، عن حاجتها أحيانًا للغياب والتأمل. كشفت أن الفنان ليس آلة لإنتاج المحتوى، بل كائن بشري يعيش قلقًا، وخوفًا، وحيرة.
هذا البعد الإنساني ينعكس في اختياراتها. فهي تميل إلى الأدوار التي تظهر هشاشة الإنسان، وتسبر أغوار النفس. وربما لهذا السبب، يصعب نسيان شخصياتها، لأنها ليست شخصيات خارقة، بل قريبة من المتلقي.
صناعة المحتوى… بين الأصالة والتكلف
هند صبري تدرك جيدًا أن الفنان اليوم لا يكتفي بالتمثيل، بل هو صانع محتوى. لكن صفة “صانع محتوى” لا تعني بالضرورة السطحية أو الخفة، بل يمكن أن تكون مرادفًا للإبداع المتجدد.
الفرق، كما ترى، هو في النية والأسلوب. فهناك من يصنع محتوى بغرض التسلية فقط، وهناك من يرى فيه أداة للتغيير. وهند تنتمي للفئة الثانية. لا يعنيها أن يكون الفيديو الخاص بها قد حصد ملايين المشاهدات، بل ما يعنيها هو: هل ترك أثرًا؟ هل طرح سؤالًا؟ هل أزعج السكون؟
رسالة إلى الجيل الجديد
من خلال كلماتها، وجهت هند صبري رسالة غير مباشرة للجيل الجديد من الفنانين: لا تتخلّ عن ذاتك من أجل الشهرة. ابحث عن صوتك الحقيقي، ولا تضع صورتك في ميزان تفاعلات الآخرين. كن أمينًا لنفسك، فهذا وحده ما يضمن لك البقاء.
هذه الرسالة تكتسب أهمية كبرى اليوم، في ظل ظهور عدد كبير من “نجوم اللحظة”، الذين سرعان ما يتلاشون، لأنهم لم يبنوا قاعدتهم على أساس متين. هند تذكّر هؤلاء أن الفن ليس ماراثون سرعة، بل رحلة نفس طويلة، تتطلب الصبر، والصدق، والشغف.
هند صبري في مواجهة التيار
في كل ما قالته، كانت هند صبري صادقة، شجاعة، وربما وحيدة في موقفها. لكنها ليست ضعيفة. هي تعرف جيدًا ثمن الخيار الذي اتخذته، لكنها لا تتراجع. هي تؤمن بأن الفن، في جوهره، مقاومة للصوت العالي، والسطحيات، والترند الزائف.
هند ليست فقط ممثلة ناجحة، بل هي صوت لفنانين كثيرين يرفضون التخلي عن جوهرهم في سبيل الرواج المؤقت. وبذلك، تصبح تصريحاتها وثيقة مهمة في فهم التغيرات التي يشهدها الوسط الفني اليوم، وتذكيرًا أن من يصمد أمام الترند قد يخسر ضوءًا، لكنه يكسب ضميرًا.
✍️ تم تحرير هذا المقال وصياغته بإبداع من فريق جورنال العرب 2025، حيث تم تزويده بأحدث المعلومات وأعمق التحليلات.
المصادر:
-
بودكاست عندي سؤال – محمد قيس
-
الحلقة التي استُضيفت فيها الفنانة هند صبري
-
المنصة: YouTube / Spotify
-
كلمات البحث: بودكاست عندي سؤال هند صبري محمد قيس
-
-
قناة MTV Lebanon الرسمية
-
لتوثيق البث المرئي للحلقة
-
-
حسابات هند صبري الرسمية على السوشيال ميديا انستجرام و فيس بوك
-
مقالات تحليلية حول الترند وتأثيره على الفن
-
موقع العربي الجديد
-
موقع اندبندنت عربية
-
موقع فوشيا
-
موقع سيدتي
-
0 Comments