بين رفوف المتاجر، وعلى أجساد العارضات، هناك ثمنٌ لا يُطبع على التيكيت… في كل مرة نشتري فيها قميصًا جديدًا بـ”عرض خاص”، أو فستانًا بـ”خصم 70%”، هناك قصة مخفية لا تُحكى. قصة تبدأ في مصانع مكتظة بالعمال الذين يعملون ساعات طويلة مقابل أجور زهيدة، وتنتقل إلى أنهار ملوّثة بالأصباغ السامة، ثم تنتهي في مقالب نفايات ضخمة مليئة بملابس بالكاد لُبست مرة واحدة.
في عالم الأزياء العربي، لطالما ارتبطت الموضة بالفخامة والهيبة والمظهر، لكن قلّما سأل أحد: ما الثمن الحقيقي لكل قطعة نرتديها؟ هل أصبحت الموضة فعلًا آلة ضخمة للاستهلاك القاتل؟ وهل نحن نعيش داخل مشهد استعراضي لا نرى فيه إلا القشرة، بينما تُدفن البيئة والعدالة تحت أقدام الماركات العالمية والمحلية؟
الشباب العربي اليوم بدأ يطرح أسئلة مُحرِجة:
هل يمكن أن نكون أنيقين دون أن نخرب الكوكب؟
هل نستطيع أن نرتدي ملابس تعبّر عنّا، دون أن تكون ملوثة أو مستغِلة؟
وهل يمكن للموضة أن تكون مقاومة، واعية، ومُستدامة؟
في هذا المقال، نغوص في أعماق هذه الأسئلة، نكشف الحقائق، نسمع أصوات الجيل الجديد، ونحاول أن نفهم: هل ما نلبسه هو خيار جمالي… أم جريمة بيئية مؤجلة؟
1. الموضة السريعة: حين يتحول القميص إلى كابوس بيئي
هل فكرت يومًا أن تيشيرت قطني عادي يستهلك في إنتاجه حوالي 2700 لتر من الماء؟ نعم، هذا هو وجه الموضة السريعة (Fast Fashion) التي اجتاحت العالم، ومنه العالم العربي، بأسماء ماركات لامعة وعروض مغرية.
هذه الصناعة لا تقتصر على الأقمشة، بل تمتد لتشمل استنزافًا للمياه، تلويثًا للأنهار، وانبعاثات كربونية تعادل ما تطلقه صناعتا الطيران والشحن معًا.
في تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، وُصف قطاع الأزياء بأنه ثاني أكثر الصناعات تلويثًا للبيئة بعد البترول. ورغم هذا، ما زال المستهلك العربي يتعامل مع الموضة كوسيلة للظهور لا للبقاء، فهل حان وقت إعادة النظر؟
“صناعة الموضة الحديثة أصبحت قاتلة، ليس فقط بسبب الاستغلال الاقتصادي، بل لأنها ببساطة تُميت الأرض ونحن نبتسم للكاميرا.” – تعليق من تقرير “Greenpeace Middle East”
2. الشباب العربي يُعلن التمرّد على الاستهلاك
وسط هذا المشهد القاتم، برز جيل جديد يرفع شعار:
“أنا ألبس بوعي… لا بكبرياء!”
من عمان إلى الرباط، ومن بيروت إلى تونس، ظهرت حركات الموضة المستدامة، يقودها شباب وشابات قرروا قلب الطاولة على نمط الشراء المجنون. بعضهم يعيد تدوير الملابس، آخرون يبتكرون ماركات محلية واعية، وبعضهم يمارس “minimal fashion” كطريقة للحياة.
“أنا مش ضد الموضة، بس ضد إن يكون عندي 20 بنطلون في دولاب بيستهلكوا مناخ الكوكب.” – ليلى، ناشطة بيئية ومصممة ملابس عضوية من القاهرة
في الوقت الذي كان يُنظر فيه إلى الموضة كواجهة نخبوية، أصبح هناك توجه جديد يربط الموضة بـالأخلاق، الهوية، والعدالة البيئية. لم تعد الأناقة تُقاس بعدد القطع، بل بقيمة القطعة.
3. هل تستطيع الموضة أن تكون عادلة؟
يُنتج العامل البنغلاديشي قميصًا بيديه مقابل نصف دولار، ثم نشتريه نحن بـ30 دولارًا. هل هذا عدل؟
هل تساءلنا يومًا عن العامل الذي صنع قميصنا؟
هنا، تدخل الموضة في منطقة أخلاقية شائكة. المفارقة أن أغلب الحملات الإعلانية التي تروّج لموضات مستوحاة من “الثقافة العربية أو الشرقية”، تستغل التراث دون أن تُعيد أي فائدة لمجتمعاته.
“الموضة لا يمكن أن تكون أخلاقية إلا إذا احترمت البيئة والإنسان معًا، لا أحدهما دون الآخر.” – من دراسة صادرة عن Ethical Fashion Forum
بدأت بعض الماركات العربية تحاول سد هذه الفجوة، مثل إطلاق مجموعات تعتمد على النسيج المحلي، الألوان الطبيعية، والتصميم الهادف. لكن، هل يكفي هذا لإصلاح الضرر الذي تسببت فيه عشرات السنين من الاستهلاك الأعمى؟
4. الموضة المستدامة ليست موضة نخبوية
كثيرون يرون أن الموضة الواعية رفاهية لا يقدر عليها سوى “الهيبسترز” أو أبناء الطبقة المخملية. لكن الحقيقة أبسط من ذلك.
الموضة المستدامة لا تعني شراء ملابس خضراء، بل تقليل الشراء أصلًا.
لا تعني امتلاك ماركة صديقة للبيئة، بل قد تعني أحيانًا ارتداء قطعة قديمة بطريقة جديدة.
“أنا مش بشتري جديد، أنا بلبس جديد من اللي عندي.” – فؤاد، طالب جامعي من الجزائر ينشط على تيك توك في تعليم طرق إعادة تصميم الملابس القديمة.
الفكرة ليست في الكم، بل في القصد. الموضة المستدامة فعل مقاومة صامت، في وجه ثقافة التبذير التي نعيش فيها يوميًا.
5. ماذا يقول الدين والثقافة؟
في الثقافة الإسلامية مثلًا، نجد في الحديث النبوي الشريف:
“كُلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير سرف ولا مخيلة.”
رسالة واضحة جدًا: البس كما تحب، لكن لا تُسرف، ولا تتكبّر.
وفي التراث العربي، لطالما كان البساطة في اللباس من سمات الحكمة والزهد، فلماذا ننسى ذلك تحت سطوة الإنفلونسرز والماركات؟
6. “إعادة التدوير” ليست كافية: ما الذي نحتاجه؟
بعض الشركات تُروّج لنفسها كمستدامة فقط لأنها تجمع الملابس القديمة. لكنها في الوقت نفسه تنتج ملايين القطع الجديدة كل موسم!
ما نحتاجه ليس “تدوير” فقط، بل تغيير جوهري في العقلية والسلوك. نحتاج أن نُعيد تعريف الموضة:
-
أن تكون الموضة وسيلة تعبير وليس استعراض
-
أن تعكس شخصية الفرد وليس حسابه البنكي
-
أن تكون قريبة من بيئته وهويته وقيمه
7. الفنانون والمشاهير… هل يساعدون أم يخدعون؟
من المحبط أن الكثير من المشاهير العرب ينشرون صورهم يوميًا بإطلالات جديدة من علامات عالمية دون أي وعي بيئي أو ثقافي. حتى عندما يتحدث بعضهم عن البيئة، تفضحهم خزائنهم المليئة بعشرات الأحذية و”الإطلالات اليومية”.
لكن هناك من خالف التيار. بعض الممثلات العربيات ظهرن على السجادة الحمراء بفساتين قديمة معاد استخدامها. وبعض الفنانين تحدثوا عن تقليل استهلاكهم ومحاولتهم دعم ماركات محلية.
نحن لا نطلب من النجم أن يعيش فقيرًا، بل فقط أن يكون صادقًا، وأن يُدرك أثره الكبير في تشكيل وعي الجمهور.
8. سؤال هام جدًا: هل نرتدي ما نحب… أم ما يجب؟
في عالم الموضة، نحن أمام مفترق طرق حقيقي. هل نرتدي ما نحب لأننا نعتقد أنه يعكس شخصيتنا وجمالنا الداخلي؟ أم نرتدي ما يجب لأن المجتمع يفرض علينا معايير معينة لجمال الشكل والمظهر؟ هل الموضة أصبحت مجرد خيار فردي أم أنها أصبحت مطلبًا اجتماعيًا علينا تحقيقه بأي ثمن؟
في النهاية، لا نتحدث هنا عن حرية الاختيار أو عن الأناقة كحق إنساني، بل عن إعادة النظر في الكيفية التي نتعامل بها مع الملابس ومع الموارد الطبيعية التي تُمثل جزءًا من حياتنا. نحتاج إلى أن نتوقف لحظة ونتساءل: هل نحن نلبس من أجل الجمال أم من أجل البيئة؟
الجواب بسيط ولكن غارق في التعقيد: نحن بحاجة إلى إعادة تعريف الأناقة في عالمٍ حيث الاحتياجات البيئية أصبحت أكثر إلحاحًا. إن الموضة المستدامة هي التحدي الجديد الذي يواجهه كل واحد منا. لا يمكن أن نظل نعيش في عالم يفرض علينا مظاهر متجددة و استلاكًا مفرطًا لأغراض تجارية فقط.
إعادة تعريف الأناقة: من الجمال إلى الاستدامة
أن نلبس كما نشعر، لا كما يُملى علينا، يعني أن نتحرر من القيود الاجتماعية التي تفرض علينا أن نستهلك بلا توقف. في المقابل، يعني أن نختار المواد الصديقة للبيئة، أن نبتعد عن الملابس التي تحتوي على مواد سامة أو أصباغ ضارة وأن نبحث عن الماركات التي تراعي البيئة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج.
لذلك، لا يُعقل أن نواصل شراء الملابس التي يجرّ وراءها نفايات هائلة و ظروف عمل غير إنسانية. يجب أن نعود إلى الأصل، إلى المواد القابلة لإعادة التدوير، إلى القماش العضوي، إلى العلامات التجارية التي تحترم الإنسان وتقدر البيئة.
قد يبدو الأمر معقدًا، ولكن الموضة المستدامة ليست موضة، بل هي حركة ثقافية
تتجاوز مجرد صناعة ملابس وتلعب دورًا حيويًا في رسم ملامح المستقبل الذي نطمح إليه.
في عالمنا اليوم، علينا أن نختار ما يليق بمستقبلنا و بكرة الأرض. فكل قطعة ملابس نشتريها لها تأثيرها على بيئتنا، على حياة العمال، على مجتمعاتنا. وفي النهاية، تظل الإجابة الواحدة هي أن نلبس ما يجب، لأن الأناقة التي لا تراعي الأرض لا يمكن أن تستمر طويلاً، مهما كانت جذابة أو عصرية.
إنها موقف… فلسفة… مقاومة ناعمة.
9. ما هي الموضة المستدامة؟
ليست الموضة المستدامة فقط عن الأقمشة الطبيعية أو تقليل النفايات، بل هي فلسفة متكاملة تُعيد النظر في طريقة الإنتاج، الاستهلاك، والتفكير في الملابس. هي توجه يسعى إلى إنتاج أزياء تحترم حقوق العمال، تقلل من التأثير البيئي، وتُشجّع على الاستهلاك الواعي.
بحسب منظمة Fashion Revolution، فإن صناعة الأزياء مسؤولة عن 10% من الانبعاثات الكربونية العالمية، وهو رقم يفوق مجموع ما تنتجه رحلات الطيران والنقل البحري معًا. وهنا تأتي الموضة المستدامة كمقاومة ناعمة لهذا الخراب.
10. كيف بدأت هذه الحركة في العالم العربي؟
في البداية، بدت الموضة المستدامة وكأنها توجه نخبوي، محصور في معارض عالمية ودورات تدريبية أوروبية. لكن سرعان ما بدأ شباب وشابات من مختلف العواصم العربية، من بيروت إلى القاهرة والدار البيضاء، في تبني هذا المفهوم بروح محلية.
مصممة الأزياء الأردنية “هالة خوري”، مثلًا، أعادت إحياء تقنيات التطريز الفلسطيني لابتكار قطع معاصرة مصنوعة من بقايا الأقمشة. وتقول: “أنا لا أبيع ثيابًا فقط، بل أُحيي قصصًا عن الأرض، التراث، والهوية”.
من جهة أخرى، أطلقت مبادرات مثل Green Fashion Week Cairo منصات للعقول الشابة لعرض تصميمات صديقة للبيئة، بينما شجّعت حملات توعوية على إعادة تدوير الملابس بدلاً من رميها.
11. التحديات التي تواجه الموضة المستدامة في العالم العربي
رغم الحماس، تواجه الموضة المستدامة عقبات جمّة في العالم العربي. على رأسها الوعي المجتمعي المحدود، وارتفاع تكلفة المواد الطبيعية، بالإضافة إلى غياب البنية التشريعية التي تحفّز هذا التوجه.
العديد من المستهلكين لا يزالون يعتبرون السعر المنخفض هو العامل الحاسم في قرارات الشراء، متجاهلين التكلفة البيئية والإنسانية وراء “الموضة السريعة”. ووفقًا لتقرير صادر عن موقع “Eco Age”، فإن أغلب المصانع في المنطقة تعتمد على مواد مستوردة رخيصة من دول آسيا، ما يجعل من تطبيق معايير الاستدامة أمرًا معقدًا ومكلفًا.
12. الموضة والتراث: حين تلتقي الأصالة بالاستدامة
المفارقة الجميلة أن الاستدامة ليست دخيلة على ثقافتنا، بل كانت جزءًا منها منذ القدم. أمهاتنا وجدّاتنا كنّ يُعدن استخدام الأقمشة، يخطن الملابس يدويًا، ويمنحنها عمرًا أطول. المفهوم الغربي للاستدامة، في جوهره، قريب من “ثقافة التدوير” التي عرفتها البيوت العربية.
في المغرب، تعتمد بعض المصممات على الأقمشة التقليدية مثل “السمطان” و”الحرير الطبيعي” في تصميم قطع تجمع بين الأناقة والوعي البيئي. وفي تونس، تُستخدم خامات طبيعية مثل الكتان والصوف المحلي في تصميم أزياء تُحاكي الحداثة بروح أصيلة.
13. دور المؤثرين والإعلام في نشر الوعي
إذا نظرنا إلى عالم المؤثرين في مجال الموضة، نجد أن هناك الكثير من الشخصيات التي استفادت من منصاتهم لتوجيه رسالة قوية حول الموضة المستدامة، تلك التي تركز على المسؤولية البيئية والتوعية بأهمية الاستدامة في صناعة الأزياء. ولكن الأمر لا يقتصر على الإعلانات التجارية البسيطة أو الترويج للماركات فحسب، بل يمتد ليشمل تلك الأعمال الإبداعية التي أسهمت بشكل حقيقي في تغيير الفكر السائد في المجتمع حول الموضة وكيفية تعاملنا معها.
أصبح المؤثرون في مجال الموضة اليوم ليس فقط مجرد مشاهير يروجون لأحدث التصاميم أو القطع الجديدة، بل هم أصوات تُحدِث تأثيرًا إيجابيًا في المجتمع وتساهم في نشر الوعي البيئي. فيما يلي نعرض أمثلة لمؤثرين من العالم العربي والعالمي، الذين أضافوا قيمة حقيقية للبشرية من خلال جهودهم في دعم الموضة المستدامة.
نور عريضة: من “الإطلالات المتجددة” إلى مسؤولية الاستهلاك
نور عريضة، المدونة اللبنانية ومؤثرة الموضة الشهيرة على إنستغرام، استطاعت أن تضع بصمتها الفريدة في مجال الموضة المستدامة. فبدلاً من الترويج للشراء المستمر، دعت نور جمهورها إلى التفكير في إعادة تدوير الإطلالات وتقليل الاستهلاك الزائد.
حثت متابعيها على التساؤل حول من صنع ملابسهم؟، وهو سؤال أساسي في حملة عالمية تدعو إلى الشفافية في سلسلة التوريد. نور عريضة لا تكتفي بنشر إطلالات جذابة، بل أصبحت منصة لتعليم جمهورها كيفية التعامل مع الموضة بطريقة تحترم البيئة.
المنصات الإعلامية: دعم الرسالة من خلال القنوات والبرامج
بعيدًا عن الشخصيات الفردية، لعبت المنصات الإعلامية دورًا محوريًا في نشر الوعي حول الموضة المستدامة. فهناك برامج و وثائقيات تظهر على القنوات العربية، مثل قناة “موجة” و”بي بي سي عربي”، التي استعرضت التأثير البيئي لصناعة الأزياء وأهمية الانتقال إلى أساليب الإنتاج المستدام. من خلال هذه المنصات، يتم نشر معلومات دقيقة عن كيفية تقليل البصمة البيئية للأزياء من خلال استخدام المواد الصديقة للبيئة، وتعزيز فكرة إعادة التدوير.
أمينة الرستماني: رائدة في مجال الموضة المستدامة
أمينة الرستماني، مؤسسة علامة “نوير ساندز” للأزياء المستدامة، تُعتبر من الرائدات في مجال الأزياء المستدامة في الإمارات. ولدت علامتها التجارية من رؤية التركيز على الأزياء التي تحترم البيئة وتعزز فكرة الاستدامة. ومن خلال موقعها الإلكتروني ومنصاتها الاجتماعية، تشارك أمينة معلومات عن كيفية اختيار الأقمشة المستدامة، وكيفية تقليل استهلاك المواد الكثيرة في تصميم الملابس. كما تعقد ورش عمل لتعليم المهتمين بكيفية إعادة استخدام الملابس القديمة وتحويلها إلى تصاميم جديدة.
المؤثرون: من الجمال إلى الوعي البيئي
المؤثرون في عالم الموضة اليوم أصبحوا أكثر من مجرد وجوه لعلامات تجارية. أصبحوا مصادر إلهام حقيقية تسعى إلى خلق تغيير حقيقي في الطريقة التي نتعامل بها مع الموضة. لم يعد الجمال هو المعيار الوحيد، بل أصبح الوعي البيئي و العدالة الاجتماعية من القيم الأساسية التي يجب أن تحملها كل قطعة ملابس.
في النهاية، لا يمكننا أن نغفل دور المؤثرين والإعلام في تغيير الثقافة الاستهلاكية في العالم العربي. فبينما تتجه الموضة إلى مفهوم الاستدامة والتقليل من الأثر البيئي، بدأنا نرى المزيد من الأشخاص يتخذون الموضة وسيلة للتعبير عن أنفسهم وعن القيم التي يؤمنون بها، مما يعكس تحولًا حقيقيًا في الذهنيات والسلوكيات.
14. هل الموضة المستدامة مجرّد موجة أم مستقبل؟
السؤال الآن: هل ستبقى الموضة المستدامة مجرد موضة؟ أم أنها مستقبل لا مفر منه؟
مع تفاقم أزمة المناخ، وتزايد المطالبات بحقوق العمال، وتطور تكنولوجيا النسيج، يبدو أن الاستدامة ليست خيارًا بل حتمية. بعض العلامات التجارية العربية بدأت في اعتماد التصنيع حسب الطلب لتقليل الهدر. وهناك من يستخدم الذكاء الاصطناعي لتصميم ملابس أكثر كفاءة وأقل ضررًا بالبيئة.
تشير دراسة لمعهد Business of Fashion إلى أن 73% من المستهلكين تحت سن 30 أصبحوا أكثر استعدادًا لدفع سعر أعلى مقابل ملابس مستدامة، بشرط أن تكون شفافة في مصادرها.
الموضة المستدامة: كيف تصبح فعل مقاومة؟
الموضة لم تعد مجرد مسألة مظهر أو إطلالة جذابة، بل أصبحت اليوم بمثابة فعل مقاومة حقيقي. في زمن تتسارع فيه الأيام ونحن نعيش في عالمٍ يعاني من مشاكل بيئية جمة، من تلوث وتغيرات مناخية، أصبحت الموضة المستدامة صرخة في وجه الاستهلاك العشوائي واللامبالاة البيئية.
في المجتمعات العربية، التي كثيرًا ما كانت تُعتبر التقاليد والهوية جزءًا من أسلوب الحياة، جاء مفهوم الموضة المستدامة ليُعيد تعريف هذا التوازن بين الجمال والمسؤولية. فالموضة أصبحت أكثر من مجرد قماش أو لون أو تصميم، بل أصبحت وسيلة لإعلان موقف. هذه الموضة تعكس قدرة الإنسان على التغيير، ليس فقط من خلال اختياراته في ما يلبس، ولكن أيضًا من خلال اختياراته في ما يستهلك.
في العالم العربي، حيث تنتشر ثقافة العلامات التجارية الفاخرة، وفي ظل تطور الجماليات التي تُفرض على الجميع عبر السوشيال ميديا، نشأت حركة تتبنى الموضة المستدامة كوسيلة للتعبير عن المقاومة البيئية والاجتماعية. هذه الحركة، التي يقودها الشباب العربي، تسعى إلى خلق علاقة جديدة بين الموضة والوعي البيئي، بحيث لا تقتصر الأناقة على التفاخر بالمظاهر، بل تصبح تجسيدًا للضمير الحي.
أصبحت الموضة المستدامة في هذا السياق أكثر من مجرد اختيار نوع القماش، بل هي رسالة تُرسل إلى العالم: نحن لا نريد أن نكون جزءًا من دائرة الاستهلاك المتسارع التي تُدمّر كوكبنا، ولا نريد أن نساهم في تضخم الملابس غير الضرورية في خزائننا، بينما تستمر الموارد الطبيعية في التناقص بشكل سريع.**
الموضة المستدامة في عالمنا العربي لا تقتصر فقط على تقنيات مثل إعادة تدوير الملابس أو اختيار المواد العضوية، بل تتعدى ذلك لتصبح حركة اجتماعية تحمل في طياتها مفهوم العدالة البيئية. إنها دعوة إلى التفكير في الخيارات التي نختارها كل يوم، سواء كان ذلك في اختيار ما نلبس أو في الطريقة التي نتصرف بها تجاه العالم من حولنا. فكل قطعة ملابس نرتديها، وكل ماركة نشتري منها، هي بمثابة بيان صامت حول من نكون وما الذي نؤمن به.
ولكن السؤال المهم الذي يظل يتردد في الأذهان: ماذا نرتدي؟ ليس لمجرد إرضاء الآخرين، بل لإرضاء أنفسنا وإعادة التوازن بين الأناقة والعدالة. هل نحن مستعدون للارتداء بما يعكس قيمنا الشخصية والمشاركة في مشروع أكبر من مجرد الاستعراض؟ ما هو السعر الذي نريد دفعه ليس فقط على مستوى المال، ولكن على مستوى البيئة و المجتمع؟
الموضة المستدامة اليوم هي أكثر من مجرد توجه، إنها ثورة تُجدد الخطاب حول الجمال والوعي البيئي، وتعيد الحياة لمفهوم الملابس المعبرة التي تتناغم مع مبادئ المسؤولية. إننا بحاجة إلى استعادة القوة في اختياراتنا البسيطة، لتكون الموضة فعلًا يعبر عن كرامة الأرض والإنسان.
📚 المصادر:
-
تقارير منظمة الأمم المتحدة للبيئة UNEP حول صناعة الأزياء والتلوث المائي
-
دراسات من موقع Ethical Fashion Forum حول الموضة الأخلاقية
-
أبحاث منظمة Greenpeace Middle East عن تأثير الموضة السريعة
-
مقابلات حقيقية مع شباب عربيين في مجلات موضة مثل Savoir Flair وScene Arabia
-
تصريحات إعلامية لفنانين عرب في مناسبات بيئية ومقابلات صحفية
-
حديث نبوي شريف حول السرف واللباس كمرجع ثقافي وديني
- منظمة Fashion Revolution
- موقع Eco Age
- تقرير Business of Fashion
- تصريحات المصممين المحليين والمبادرات العربية مثل Green Fashion Week Cairo
0 Comments