كارول سماحة... نجمة تتحدى الحزن
كارول سماحة... نجمة تتحدى الحزن

كارول سماحة… نجمة تتحدى الحزن

1 دقيقة


في زمن تكثر فيه الانسحابات والاعتذارات، وقفت كارول سماحة على خشبة كازينو لبنان مثل بطلة تراجيدية حقيقية، تؤدي، تغني، ترقص، وتضحك… بينما قلبها مكسور. عشرة أيام فقط فصلت بين وداع شريك حياتها، وليد مصطفى، وعودتها النارية إلى المسرح في عرض “كلو مسموح”، المسرحية الغنائية الكوميدية التي تحوّلت، بفضل كارول، إلى ملحمة شخصية عن الإصرار والوفاء.

لم تكن تلك الليلة عادية، ولا ذلك العرض مجرد سهرة فنية عابرة. كانت الأنوار تُضاء، الستائر تُسحب، والأنفاس تُحبس، لكن الحكاية الحقيقية لم تكن على الورق، بل في العيون التي رصدت كل خطوة، وكل نغمة، وكل نظرة من كارول سماحة. النجمة اللبنانية، التي عاشت في الأسابيع الأخيرة ما لا تحتمله الأرواح الهشة، وقفت شامخة فوق خشبة المسرح، في لحظة اختلطت فيها مشاعر الحداد بالفن، والحزن بالتصفيق.

منذ أن أُعلن عن وفاة زوجها، المنتج المصري وليد مصطفى، خيّم سؤال ثقيل على الأجواء: هل ستتمكن كارول من استكمال عرضها المسرحي الجديد؟ وهل يمكن لفنانة أن تُكمل دورها أمام الجمهور، وهي ما زالت ترتدي ثوب الحداد من الداخل؟ لكن كارول، كما عُرفت منذ بداياتها، لم تكن يومًا تُشبه التوقعات، بل دائمًا تتجاوزها.

فهي التي حملت المسرح يومًا في صوتها مع منصور الرحباني، وارتدت عباءة “زنوبيا” و”الشحرورة”، تعرف تمامًا أن الخشبة ليست مجرد مكان للعرض، بل منبر للمقاومة الفنية والروحية. ربما لهذا السبب، جاء قرارها بالاستمرار كموقف إنساني قبل أن يكون فنيًا. فوسط تحديات داخلية هائلة، أثبتت كارول أن الفنان لا ينكسر إذا كان مرتبطًا بشغفه، وأن الألم لا يلغي الالتزام بل يمنحه بعدًا أعمق.

كله مسموح”.. برودواي تهمس بلهجة لبنانية على لحنٍ اسمه كارول

كله مسموح.. برودواي تهمس بلهجة لبنانية على لحنٍ اسمه كارول
كله مسموح.. برودواي تهمس بلهجة لبنانية على لحنٍ اسمه كارول

على خشبة مسرح كازينو لبنان:

 وفي أمسية خيمت عليها مشاعر مختلطة بين الفقد والفرح، عادت كارول سماحة إلى المسرح الذي أحبته وعرفته يومًا، ولكن هذه المرة بقلب مجروح وروح لا تعرف الانكسار. بعد مرور عشرة أيام فقط على وفاة زوجها المنتج المصري وليد مصطفى، وقفت كارول أمام جمهور متأهب، وقدّمت عرضًا غنائيًا مسرحيًا بعنوان كله مسموح”، ربما لم يكن مجرد عرض، بل رسالة بصوتٍ حيّ: الفن دواء، والالتزام وعدٌ لا يُكسر.

المسرحية، وهي النسخة المعرّبة عن العرض العالمي الشهير Anything Goes”، جاءت بلمسة لبنانية نابضة، وقّعها الكاتب والمخرج روي الخوري، ونُقلت حواراتها إلى اللهجة اللبنانية بإبداع كلود أبو حيدر. العرض كان بمثابة تزاوج ساحر بين الكوميديا الرشيقة والمواقف الإنسانية، ضمن سينوغرافيا متحركة تمثّل رحلة بحرية، تبدأ بالضحك وتنتهي بالتأمل.

في كل لحظة على المسرح، بدت كارول وكأنها تخرج من بين الدموع لتُغني، ترقص، تضحك… وتُدهش. أداء لا يمكن تفسيره إلا بنضج فني عميق وصدق إنساني نادر. جسّدت شخصية “ياسمينا”، امرأة ذكية لا تخلو من الحيلة، تعبر بين المواقف الساخرة بخفة ظل لافتة. وبالرغم من حزنها الكبير، لم تخن تعابير وجهها ولا صوتها القوي الذي ارتج له المسرح في أكثر من موضع.

بدت كارول وكأنها تخرج من بين الدموع لتُغني

بدت كارول وكأنها تخرج من بين الدموع لتُغني
بدت كارول وكأنها تخرج من بين الدموع لتُغني

الديكور كان بطلًا ثانيًا في القصة

مركبٌ عملاق متقن التفاصيل، تتغير ملامحه بين المشاهد ليحملنا من مشهد إلى آخر بانسيابية بصرية نادرة. أما الرقصات فكانت بمثابة انفجار حركي مصمم بعناية بين التانغو” الساحر و**”التاب”** الحيوي، تحت إشراف روي الخوري نفسه، مما أضاف للمشهدية المسرحية نكهة استعراضية أصيلة.

الأوركسترا، بقيادة المايسترو إيليو كلاسي، تمركزت أمام الخشبة لتكون شاهدة وشريكة على لحظة فنية تاريخية. أكثر من عشرين موسيقيًا عزفوا الحكاية مع كارول، حتى بدا أن كل نغمة تُقال فيها ما عجزت الكلمات عن البوح به.

من كواليس المسرحية، يُقال إن كارول لم تكن يومًا قريبة من الانسحاب، بل كانت تردد خلال التمارين: “أنا هون، مش كرمال الشهرة، بل كرمال الفرقة، الكلمة، الالتزام”. عشرات الفنانين والتقنيين كانوا إلى جانبها، يستمدّون من قوتها طاقة صادقة جعلت البروفات تمرّ كأنها جلسات علاج جماعي بين الفن والحياة.

ومن الجمهور، كانت ورد الخال تتابع العرض من الصف الأمامي، وتقول لاحقًا في تصريحاتها: “كارول ملكة المسرح عن جدارة. شوفي كيف عم بتحمل مشاعرها، وعم تعطينا عرض لا يُنسى”. أما كلوديا مرشيليان، صديقتها منذ البدايات، فقالت: “هي بتعرف كيف تحوّل وجعها لقوة، ومنصة المسرح كانت دايمًا شريانها الحقيقي”.

كله مسموح” ليس مجرد عرض يُصنّف تحت خانة “مسرحية موسيقية”. إنه درس في الصمود، في الوفاء للخشبة، وفي كيف يمكن للفن أن يكون ملاذًا ومحرابًا في آنٍ واحد. حين ترى كارول سماحة تغني وترقص وسط أنوار المسرح، تدرك أن الفنان الحقيقي ليس مَن يُصفق له الناس فقط، بل من يُلهمهم، يُشبههم، ويُقاوم مثلهم

ديكور ضخم ومواقف مجنونة… في قلب العاصفة الشخصية

المسرحية، التي تنتمي إلى نوعية الكوميديا الموسيقية، تعتمد على سوء الفهم، المقالب، والانقلابات المفاجئة في الحب. ضمن ديكور ضخم ومتحرك، تتنقل كارول بشخصية “ياسمينا”، تلك الفتاة الظريفة التي تبحث عن فارس أحلامها، وسط لوحات راقصة تتنوع بين التاب النيويوركي الصاخب والتانغو اللاتيني الحالم، بإبداع المصمم روي الخوري.

أما الحوار الغنائي، فتم تعريبه بذكاء إلى اللهجة اللبنانية بيد الكاتب كلود أبو حيدر، ما أضفى على العرض محلية ساحرة وعفوية، جعلت الجمهور يشعر بأنه جزء من المشهد، لا مجرد متفرج عليه.

الأوركسترا… بطل غير مرئي في الخلفية

لم تكن كارول وحدها على المسرح. فقد دعمتها أوركسترا مباشرة أمام الخشبة، ضمت نحو 20 موسيقيًا بقيادة المايسترو إيليو كلاسي، الذي أضفت مداخلاته الموسيقية البسيطة عنصرًا دراميًا ساحرًا، ربط الجمهور بالعرض على مستوى سمعي وعاطفي.

من “زنوبيا” إلى “كلو مسموح”… سيدة الخشبة لم تنكسر

ليست هذه أول مرة تصعد فيها كارول سماحة الخشبة في موقف صعب، لكنها كانت بلا شك أكثرها قسوة وصدقًا. عرفت المسرح منذ بداياتها، وتألقت في عروض زنوبيا” و”المتنبي” و”آخر أيام سقراط” مع الرحابنة، كما سحرت الشاشة بدور الشحرورة صباح. لكن ما فعلته في “كلو مسموح” كان فصلًا جديدًا من بطولة امرأة تحوّل الحزن إلى طاقة.

من قلب الجمهور: إشادات لا تنتهي

من الصف الأمامي، وصفتها النجمة ورد الخال قائلة: كارول ملكة مسرح. تغني وترقص وتمثل بروح لا تُصدق”. أما الكاتبة والممثلة كلوديا مرشيليان، التي بدأت معها المشوار الفني، فقالت: كنت واثقة بأنها ستُشعل المسرح. هي لا تنسى حزنها، بل تحوّله إلى قوة على الخشبة. هذه كارول الحقيقية.”

الإبداع حين يصبح المسرح دواء القلب

الإبداع حين يصبح المسرح دواء القلب
الإبداع حين يصبح المسرح دواء القلب

في لحظة مدهشة، وقف الجمهور طويلاً تصفيقًا، ليس فقط لعرض مسرحي مبدع، بل تقديرًا لفنانة خاضت معركتها الإنسانية بكل شجاعة أمام أعينهم. كارول سماحة لم تكتفِ بأداء دورها بكل براعة، بل تحولت لحالة فنية تجمع بين الحياة والفن، بين الألم والتألق. في تلك اللحظات على خشبة كازينو لبنان، كان الجرح العميق في قلبها يلتقي مع الإبداع، ويُعبر عن أعمق المشاعر من خلال كل كلمة، وكل نغمة.

كارول لم تتهرب من الوجع، بل تصدّت له بعنفوان، وأخذت على عاتقها أن تضعه على الخشبة، أمام أعين الجميع. في عرضها المسرحي الغنائي، أثبتت أن الإبداع لا يأتي في غياب المعاناة، بل أحيانًا في وجودها. كانت تُغني، وترقص، وتضحك، بينما قلبها في الحداد. هي لم تلبس قناع التسلية، بل حملت الحقيقة كدرع، وأضافت إليها فنّها الذي لا يُضاهى.

في النهاية، لم يكن هذا العرض مجرد كوميديا رومانسية تنبض بالحياة، بل كان رسالة حياة. كانت كلمات المسرحية وحركاتها ورقصاتها سطورًا حُفرت في قلب كل من شهد العرض. رسالة كتبتها كارول سماحة بصوتها، وألحانها، وألمها، ورحيلها الحزين الذي لم يختفِ عن المسرح، لكنه كان جزءًا من الإبداع الكبير. رسالة لم تُكتَب بالحبر، بل بالدمع الذي ربما لم يُرَ، لكنه كان حاضرًا في كل خطوة على الخشبة، في كل نظرة، وفي كل لحظة مليئة بالصدق الفني.

إنَّ المسرح هنا لم يكن مجرد مكان لعرض فني، بل كان دواء القلب. لأن الفن، عندما يُجسّد بهذا الشكل، يصبح أكثر من مجرد ترفيه؛ يصبح علاجًا للروح، وعزاءً للعقل، ورفيقًا للألم.

✍️ تم تحرير هذا المقال وصياغته بإبداع من فريق جورنال العرب 2025، حيث تم تزويده بأحدث المعلومات وأعمق التحليلات.

هل أعجبك؟ شاركه مع أصدقائك!

0 Comments

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ما هو رد فعلك؟

مشوش مشوش
0
مشوش
فشل فشل
0
فشل
مرح مرح
0
مرح
غريب الأطوار غريب الأطوار
0
غريب الأطوار
يكره يكره
0
يكره
مضحك مضحك
0
مضحك
حب حب
0
حب
يا إلهي يا إلهي
0
يا إلهي
يفوز يفوز
0
يفوز