بلبن …. لم يكن أحد يتوقع أن يتحوّل اسم بسيط مثل “بلبن“، لمحل حلوى يعتمد على منتجات الألبان، إلى مادة دسمة في برامج “التوك شو” وأروقة الإعلام المصري. الأزمة التي بدأت كتعليق عابر من الإعلامي الشهير عمرو أديب، تطورت إلى معركة بين رأيين: أحدهما يرى “بـ لبن” كرمز للغش التجاري واستغلال الترند، والآخر يعتبره قصة نجاح مصرية تُحارَب لأنها خرجت عن المألوف.
الحكاية بدأت من “الحكاية”: إعلامي يسأل وشركة ترد
في إحدى حلقاته الأخيرة، لمّح عمرو أديب لما وصفه بـ “العبث الاقتصادي” في بعض المحلات الجديدة، وساق مثالًا بمحلات “بـ لبن”، مشيرًا إلى أن الأسعار فيها لا تعكس مكونات المنتجات، وإنما تعتمد على “الترند” والتسويق.
وسأل بشكل مباشر:
“هو إحنا بندفع ثمن اللبن؟ ولا بندفع ثمن إن الناس تصورنا وإحنا بناكل؟”
السؤال الذي فتح النار، لم يكن بسيطًا… لأنه لامس إحساس الناس بالإحباط من الغلاء، لكن في نفس الوقت أصاب سمعة شركة بنت نجاحها خلال شهور قليلة.
الرد الرسمي من “بـلبن”: لسنا مدانين، نحن ناجحون
رد سلسلة محلات “بـ لبن” لم يتأخر كثيرًا، ونُشر بيان طويل على صفحتهم الرسمية على فيسبوك، بلغة متزنة ولكن حاسمة.
نفت الشركة أي تعمّد لاختلاق الزحام أو خلق ضجة مفتعلة أمام فروعها، وأكدت أن تلك الطوابير تضرهم أكثر مما تفيدهم، متحدثين عن خسائر تصل إلى 20% بسبب الزحام وسوء التنظيم.
البيان أشار أيضًا إلى خطط تطوير خدماتهم، وتعاونهم مع مستشارين دوليين في التشغيل وخدمة العملاء، في محاولة لنقل الشركة إلى مستوى “الفرنشايز” العالمي.
في أول ظهور له بعد العاصفة
طلّ د. مؤمن عادل – مؤسس “بـ لبن” – بصوت هادئ ولكن مثقل بالتجربة، ليضع النقاط على الحروف وسط دوامة الشائعات. في مداخلته مع عمرو أديب، حرص على تفنيد مصطلح “الإغلاق” الذي اجتاح العناوين، مؤكدًا أن ما يجري هو أشبه بوقفة مع النفس: “إعادة هيكلة”، وليست نهاية مشروع، بل بداية فصل أكثر نضجًا.
بحكمة رجل خاض معركة السوق وسط أمواج السوشيال ميديا، أشار مؤمن إلى أن بعض الفروع أُعيد النظر في جدواها، وأن المرحلة المقبلة ستشهد انطلاقة جديدة تحمل نفس الروح ولكن بخطة أوضح ومقاييس أعلى. لم ينكر أن الضغط الجماهيري كان قاسيًا، ولا أن الهجوم المفاجئ على منصات التواصل أرهق الفريق نفسيًا، لكنه في الوقت نفسه تمسّك برؤية المشروع كقصة نجاح مصرية لا يجب أن تُختزل في “تريند لحظي” أو موجة جدل عابرة.
الأهم، أنه أصر على أن القرار لم يكن نتيجة أي ضغوط سياسية أو إعلامية، بل نابع من داخل المنظومة، في محاولة لإنقاذ الهوية قبل أن تضيع وسط ضجيج الأضواء. وبكلمات صادقة، أرسل رسالة طمأنة لمحبي المشروع: “احنا ما قفلناش، احنا بنرتّب نفسنا ونرجع أقوى.” وفي زمن تصعد فيه المشاريع وتسقط بمنشور، تبدو هذه اللحظة بالنسبة له لحظة تأمل… واستعداد لجولة قادمة.
لكن الأزمة اتسعت: من الأسعار إلى التسمم إلى العنصرية
بعد تصاعد الجدل، بدأت موجة من البلاغات الفردية والاتهامات عبر الإنترنت، بعضها يتهم الشركة بتقديم منتجات فيها فطريات تسببت في حالات تسمم، رغم عدم وجود تقارير رسمية تؤكد أو تنفي هذه الوقائع حتى الآن.
الضربة الثانية جاءت من إعلان تلفزيوني تظهر فيه شخصية فكاهية يؤديها الفنان سليمان عيد، حيث اعتبره البعض يحتوي على إسقاطات عنصرية تمس أهل النوبة. بلاغ للنائب العام واتهامات بـ”العنصرية الدعائية” زادت الطين بلّة، ووضعت الشركة في خانة دفاع مستمر عن نفسها.
الناس بتقول إيه؟ الشارع ينقسم بين التريند والجودة
في قلب كل جدل تريندي، دايمًا فيه حاجة أعمق من مجرد خلاف على “طبق رز بلبن”. ولما الأزمة توصل لمحور حساس زي العلاقة بين الإعلام والجمهور، أو بين المستهلك والمُنتج المحلي، بيكون لازم نرجع خطوة ونسأل: الناس بتقول إيه فعلًا؟ مش بصوت الإعلام، ولا ببيان العلاقات العامة، لكن بصوتهم هم — رواد السوشيال ميديا، الناس اللي واقفة في الطابور، أو حتى اللي بتتريق من بعيد!
بمجرد ما بدأت أزمة “بـ لبن” تتصدر التريند، تحولت السوشيال ميديا إلى ما يشبه ساحة مناظرة مفتوحة. مش بس بين مؤيد ومعارض، لكن بين فئات اجتماعية وثقافية بتتفاوت في طريقة استهلاكها للمحتوى والمنتج.
▪ فريق “النجاح المصري اللي يستحق الدعم”
الكتير من رواد السوشيال ميديا بدأوا يرفعوا شعار “ادعم ابن بلدك”، شايفين إن “بـ لبن” مش مجرد محل حلويات، لكنه قصة نجاح مصرية تستحق التصفيق، حتى لو فيه ملاحظات.
التعليقات اتنوعت من:
“شاب بدأ من لا شيء، وصل لفرع في المهندسين، وبيبيع منتج مصري بفكرة مختلفة… مش ده اللي دايمًا بنطالب بيه؟”
إلى
“يعني لو كان كيان أجنبي وعمل حملة تسويقية بنفس الأسلوب، كنا حنقول عليه عبقري. إنما أول ما بقى شاب مصري ناجح، هجمناه؟”
المؤيدين بيشوفوا إن اللي عمله “بـ لبن” هو ببساطة “ماركتنج محترف”، وإن وجود طابور طويل قدام المحل مش عيب، ده بالعكس: دليل على النجاح.
▪ فريق “الفقاعة التسويقية والمبالغة المريضة”
في المقابل، فريق تاني كان أكثر حدة في الانتقاد، معتبرًا إن “بـ لبن” مثال صارخ على تضخم الفقاعات الاستهلاكية.
انتقاداتهم ما كانتش بس موجهة للسعر (رغم إن ده جزء كبير)، لكن كمان للمنتج نفسه، ولقيمة التجربة اللي بيقدمها المحل.
“رز بلبن بـ70 جنيه! طب ما نجيب كيلو أرز وسكر ونقعد نأكل أسبوع!”
“هو إحنا بندفع تمن المنتج؟ ولا بندفع تمن التيك توك والانفلونسرز؟”
“الجودة متواضعة جدًا، وكل الموضوع في الإناء الكيوت واللافتات اللي مكتوبة عليها نُكت!”
في عين بعض المنتقدين، “بـ لبن” ما هو إلا انعكاس لظاهرة السوشيال ميديا اللي بتلمّع أي حاجة بشكل لحظي، وتخلي الناس تجري ورا موضة، من غير ما يسألوا نفسها: هل ده فعلاً يستاهل؟
فيه كمان نوع من الغضب “الطبقي” في بعض التعليقات:
“المحل بيبيع رز بلبن وكأنه كافيار! هو فيه ناس مش لاقية تاكل، وإنتوا عاملين طوابير عشان بولة سكر؟”
وده بيكشف التوتر الخفي اللي ممكن ينشأ بين الاستعراض الاستهلاكي، وحساسية الواقع الاجتماعي في مصر.
▪ بين المؤيدين والرافضين.. صوت العقل بيحاول يتكلم
وسط الصخب، في شريحة مش صغيرة من الجمهور قررت تمسك العصاية من النص، وتتكلم بلغة هادية منطقية:
“اللي شايف السعر مش مناسب، ببساطة ما يشتريش.”
“المحل مش إجباري، ومش كل غالي يبقى نصاب.”
“الحرية في العرض والطلب، والسوق هو اللي بيحدد مين يكمل ومين لأ.”
الناس دي مش بالضرورة مع أو ضد، لكن عندهم حس منطقي بيقول إن النجاح – حتى لو كان مدفوع بتسويق ذكي – مش جريمة، وفي نفس الوقت الغضب الشعبي مش دايمًا نابع من غيرة أو حقد، ممكن يكون ناتج عن غياب التوازن في السوق.
▪ دور التيك توك والميمز في تشكيل الرأي العام
ما نقدرش نفصل المشهد ده عن تأثير تيك توك وإنستجرام، اللي تحولوا من منصات ترفيهية، لمنصات تقييم جماعي (Crowd Review).
كل فيديو نقد ساخر عن “بـ لبن” كان بيتنقل من موبايل لموبايل، وكل “ميم” عن سعر الرز بلبن كان بيتحول لتريند خلال ساعات.
وبقى السؤال هنا: هل اللي حصل كان هجوم جماعي حقيقي؟ ولا مجرد موجة ساخرين استغلوا الفرصة للضحك والانتقاد؟
▪ هل الغضب ده عن بلبن؟ ولا عن البلد؟
في تحليل أعمق، ممكن نقول إن الأزمة دي مش بس عن منتج معين، لكنها بتكشف فجوة في الثقة العامة.
فيه أزمة ما بين الناس اللي بتشوف في المشاريع الناشئة فرصة للتقدم، والناس اللي بقت شايفة إن أي حاجة جديدة لازم تُهاجم، أو على الأقل تُختبر بعنف.
كأننا مش قادرين نفرّق بين التسويق الذكي والنصب، أو بين النجاح “البرّاق” والاستعراض الفارغ.
وفي النهاية، ما نقدرش نحدد مين الصح ومين الغلط بشكل قاطع. اللي نقدر نقوله بس إن “بـ لبن” بقى مش مجرد محل، لكنه مرآة صغيرة لحالة مجتمع، بيحب يضحك، وبيشك، وبيحلم، وبيخاف من الاستغلال في نفس الوقت.
والرأي العام؟ هو ببساطة “رأي عام”… لا يمكن التحكم فيه، ولا حتى التنبؤ بيه.
هل الإعلام تخطّى حدوده؟ أم مارس دوره بضمير؟
وسط كل الضجة، لازم نتوقف شوية عند دور الإعلام. هل كان عمرو أديب مخطئًا لما أشار للمشكلة؟ ولا كان بيؤدي دوره كصوت الناس اللي تعبانة من الأسعار؟
المشكلة مش في الأسئلة اللي سألها، لكن في التوقيت ونبرة التناول.
في بلد بتعاني من تضخم اقتصادي، أي إشارة لمحل بيبيع بـ 70 جنيه رز بلبن، هتتحول فورًا لرمز للاستفزاز.
ومع ذلك، بيبقى من حق الشركة إنها تدافع عن نفسها وتشرح موقفها، ومن حق الإعلام إنه يحقق ويسأل… بس الأهم، نعرف فين الخط الفاصل بين النقد والتحريض.
السلطات ساكتة… لكن هل ستظل كذلك؟
لحد لحظة كتابة المقال، لم يصدر أي بيان رسمي من جهاز حماية المستهلك أو وزارة الصحة، بخصوص الشكاوى المتعلقة بـ”بـ لبن”.
لكن لو استمر الجدل على نفس الوتيرة، وبخاصة مع بلاغات رسمية وادعاءات بوقوع ضرر صحي أو أخلاقي، من المؤكد إن الجهات الرقابية مش هتفضل ساكتة كتير.
وده بيفتح الباب لسؤال: هل نحن بحاجة لتشديد رقابة على المنتجات الغذائية الفاخرة؟ وهل التريند ممكن يغطّي على المعايير الصحية؟
خلاصة الأزمة: من ينتصر؟ الحقيقة أم الانطباع؟
سواء كنت من محبي “بـ لبن” أو من كارهيه، أو حتى مش فارق معاك، فأنت جزء من معادلة كبيرة بتحصل كل يوم في الشارع المصري:
علامة تجارية جديدة تطلع فجأة، تحقق ضجة، الإعلام يدخل على الخط، والسوشيال ميديا تشتعل… والضحية؟ ممكن تكون الحقيقة.
في عصر الصور والفيديوهات والتعليقات، بقى من السهل إن أي موضوع يتحوّل لاتهام، ومن الصعب نعرف إيه اللي حصل فعلًا
كلمة أخيرة: لما اللبن يفيض، من اللي بيغرق؟
اللبن رمز للنقاء، لكنه كمان لو زاد عن حده، بيغرق المائدة كلها.
قصة “بـ لبن” مش بس عن حلوى، دي قصة عن السوق، الإعلام، السوشيال ميديا، وذكاء التسويق مقابل وعينا كمستهلكين.
وده بيخلينا نسأل:
هل إحنا كمستهلكين بندور على جودة حقيقية؟ ولا بندور على إحساس بإننا بنشتري حاجة “شبه الناس اللي على التيك توك”؟
الأسئلة دي تستحق إننا نوقف عندها قبل ما نحكم على حد، سواء كان عمرو أديب، أو محل بـ لبن، أو حتى نفسنا.
✅ المصادر المستخدمة في التحقيق:
❖ تصريحات الإعلامي عمرو أديب خلال برنامج “الحكاية” – قناة MBC مصر – أبريل 2025
❖ البيان الرسمي الصادر عن إدارة محلات بـ لبن على صفحتهم الرسمية على فيسبوك – 18 أبريل 2025
❖ تفاعلات الجمهور على تويتر وفيسبوك، وتحليل الاتجاهات عبر هاشتاج #ب_لبن و#عمرو_أديب
❖ بلاغات قدمت للنائب العام بشأن إعلان “سليمان عيد” – نقلاً عن صحيفة المصري اليوم، عدد 17 أبريل
❖ تقارير ميدانية من صفحات محلية على تيك توك وإنستجرام وثقتها فيديوهات التكدس والزحام
❖ بيان غير رسمي تم تداوله حول تعامل المحل مع الأزمة الصحية وبلاغات التسمم – لم تؤكدها جهة رقابية حتى الآن
❖ مؤشرات بحث Google Trends حول كلمات مثل: “ب لبن”، “رز بلبن بـ70 جنيه”، “عمرو أديب بلبن”
0 Comments